إلى ذلك المحترق
إلى ذلك المحترق بنار البعد ..
إليك قبل أن تبرد نارك وتستعر نيراني ..
قبل أن تصبح هذه الحروف رماداً في رماد ..
دعني أرسل إليك بعضاً من جمرها .. قد تصّدقُ هذا الجمر أكثر مني ..
فالجمر أصدق أنباء الحب .
إليك ..
إلى أول من غرس بتلة من بتلات الحب في حدائق قلبي ..
إلى أول من علمني أن أنطق حروف الحب وأترجمها إلى لغة مقروءة على شفتي ..
إلى أول من شخبط على كراستي بأنامله ورسم لي قلب حب ..
في حين كنتُ لا أجيد من الرسم سوى شطر تفاحة وقشرة برتقالة ورأس قطة تموء .
إلى أول ما قال لي بأنني امرأة خُلقت للحب ..
بأنني أميرة توجت على عرش الحب .. في حين كنت أظن نفسي امرأة خلقت للوطن .. أميرة توجت على عرش النضال ..
امرأة وهبت قلبها وعقلها وفكرها ووقتها لتلك الخيام المهجورة على بوابات الوطن .
إلى أول من قال لي .. اكتبيني في حروفك ثورة ..
علقيني برأس الدفتر عنواناً ..
ازرعيني في الهوامش .. في الزوايا .. بين السطور .. ارسميني في ذيل الصفحة .. وأنا ما كنت أكتب إلا اسم الوطن ..
ما كنت أكتب حروفي إلا عن الوطن و للوطن وفداء الوطن ..
ترددت .. ارتعشت .. تلعثمت .. ثم نظرت إلى الحروف باستهجان ..
هل هي ذات الحروف تُكتبُ لغير الوطن ؟
أمسكت القلم .. وكتبت ..
كان اسمك تاج هذه الحروف ..
وكان بردها ولهيبها .. كان صيفها وشتاؤها .. كان أيلولها ..
كان صباحها ومساؤها .. كان قطرات المطر وبلورات الثلج وغيوم أيلول ..
وكان رذاذ الندى يغفو على أوراق الزهر في نيسان ..
وكان أيلول ثالثنا ..
كان يجمعنا ويفرقنا .. يلملمنا ويبعثرنا .. يحضن خطانا ثم ينشرها مع الريح ..
يضم إليه رسائلنا ثم يسقط عليها زخات المطر فيغرقها ..
إلى إن استعرت جمرات البعد فاحترقت أنت فيها .. وأنا بقي لي اسمك ..
اسمك الذي فيه وبه أنا اليوم أحترق ..